من المهم معرفة المتلعثم بأهم المعلومات الأساسية عن التأتأة، الذي يعتبر عاملاُ مساعداُ له في رحلة البحث عن العلاج واكتشاف الأساليب والمهارات الجيدة له في مواجهة تلعثمه.
أ. ما هي التـأتأة؟
ظهور سلوكيات تعيق الانسياب السلس للكلام وبروز جُهد أثناء محاولة الكلام، اما قد تكون لفظية، أو غير لفظية.
(1)لفظية: كالتكرار (صوت – كلمة – عبارة) أو الوقفات أو الإطالة في الأصوات.
مثال التكرار في صوت : سه سه سه سيارة.
مثال التكرار في كلمة: سيارة سيارة سيارة حمراء.
مثال التكرار في عبارة: أحب أكل أحب أكل
مثال على الإطالة: سسسسسيارة.
مثال على الوقفة: أحب (وقفة) التفاحة.
(2)غير لفظية: (الفسيولوجية): كرمش العينين، أو ظهور شد في الرقبة، والتعرق، بالإضافة الى سلوكيات التجنب والهروب من المواقف الكلامية.
ب .ما هي مسببات التأتأة؟
لا يوجد سبب معين متفق عليه لحدوث التلعثم، بل توجد العديد من النظريات التي تحاول تفسير التلعثم، منها ما وصف التلعثم على أنه بسبب نفسي، ومنها ما وصفه أنه بسبب وراثي، ومنها ما وصفه بأنه بسبب عصبي وغير ذلك….
وتشير أحدث الدراسات لكون الجينات والوراثة من أبرز العوامل التي تساعد في تطور التلعثم بالإضافة إلى عوامل بيئية مكتسبة.
في رأيي أن معرفة السبب غير مهم! خصوصاً في مرحلة العلاج، لكن الأهم هو تقبل هذا التحدي والبحث عن الحل بغض النظر عن السبب.
التاريخ الأسري: الأطفال الذكور أكثر عرضة لظهور التلعثم واستمرارها من الإناث (1: 3-4).
الحصيلة اللغوية: لوحظ بأن الأطفال الذين يملكون حصيلة لغوية عالية بسن الثانية من العمر أكثر عرضة لتطور التلعثم بسن الثالثة.
ج. مؤشرات لضرورة التدخل العلاجي:
(1) عند إدراك الطفل لوجودها وإبداء القلق منها.
(2) إذا استمر التلعثم مع الطفل أكثر من 3 أشهر.
(3) إذا كان شدة التلعثم تؤثر على وضوح الكلام.
(4) عند وجود تاريخ أسري لهذه الاضطراب.
(5) عند ظهور القلق لدى الأسرة والمعلم.
(6) عندما يصاحب التلعثم سلوكيات ثانوية.
د. طرق العلاج والنتائج المتوقعة:
(1). لا يتم علاج التلعثم باستخدام الأدوية بل باستخدام طرق علاجية تهدف بشكل رئيسي إلى التعامل مع الآثار الجانبية للمشكلة، ومن ثم التحكم في مشكلة التلعثم نفسها وتقوية الأساليب التي تجلب الطلاقة في الكلام.
(2). يهدف العلاج إلى التخفيف من حدة التلعثم إلى أقل حد ممكن، تحديداً لمن تجاوز الثانية عشر من العمر.
هـ. من أهداف العلاج:
(1) التقبل، أن يتقبل المتلعثم الكبير استمرار ظهور التلعثم في حياته ولكن بشكل أقل حدة.
(2) التعلم، تعلم طرق تساعد على زيادة الطلاقة وتجاوز اللحظات الصعبة.
(3) الثقة، أن يستطيع التحدث ونقل رسالته في أي وقت وأي مكان ولأي شخص.
(4) ا لاستمرار، أن يتواصل بنجاح مع المجتمع.
(5) التعايش، أن يتعلم التعايش مع التلعثم دون الخوف من ظهورها أمام الناس.
و. ماذا يحدث عندما نتكلم؟
إن عملية انتاج الكلام عملية معقدة، تشترك فيها عدة أجهزة من بداية لحظة التفكير بالكلام في المخ حتى خروج الكلمة من جهاز النطق من خلال الفم.
تمر عملية إنتاج الكلام من الرئتين (مصدر دفع الهواء عبر القصبة الهوائية) الى الحنجرة ثم الفم، ولسان المزمار الذي يحركه الهواء المندفع من الرئتين فيصدر صوتا خاما، والأحبال الصوتية الواقعة بالحنجرة والتي تتحرك بفعل العضلات، فتُغير من هذا الصوت الخام بناء على أوامر المخ، أيضاً يوجد سقف الحلق الصلب والرخو والخدان والشفتان واللسان (الذين تحركهم مجموعات عضلية لتغيير الصوت الخام بحيث يصدر في النهاية الكلام المقصود من أوامر المخ).
ز. كيف تحدث التأتأة؟
يحدث التأتأة نتيجة انغلاق في مسار الهواء بشكل لا يسمح بصدور الصوت من الحبلين الصوتيين إلى الشفتين مما يؤدي الى:
(1) انقباض الحبلين الصوتيين، مما يؤدي إلى انغلاق الحنجرة.
(2) انقباض جدار البلعوم، مما يؤدي إلى انغلاق البلعوم.
(3) ارتطام مؤخرة أو مقدمة اللسان بسقف الحلق.
(4) انقباض الشفتين على بعضهما.
وذلك يؤدي إلى توقف مسار الهواء (مادة الكلام) الخارج من الرئتين، فيتوقف الكلام (Block)، ويرتفع ضغط الهواء مقاوما ً الانغلاق، وبالفعل يستطيع الهواء تخطي الانغلاق، ويخرج الهواء في شكل دفعات بقوة وعنف، ومن جهة أخرى فإن العضلات التي انقبضت لتسبب هذا الانغلاق هي نفسها المسئولة عن عملية الكلام، وبما أن هذه العضلات تمر بمرحلة انقباض قوية، فإن الكلام الذي سينتج عنها سيكون مشوها ً إلى حد كبير.
ح. الدائرة المظلمة
التأتأة ليس اضطراباً كلامياً يصاحبه بعض المظاهر الفسيولوجية فحسب كما يبدو! بل هو أعمق من ذلك بكثير، فتلك المواقف الكلامية المتراكمة والمتكررة والتي حصل فيها تلعثم منذ الطفولة وما صاحبها من نظرات وسخرية من الآخرين كان لها تأثير نفسي كبير على شخصية المتلعثم.
يشعر المتلعثم بالإحباط بعد مع كل موقف كلامي يتلعثم فيه أمام الآخرين، ويلي ذلك شعوراً بالخجل ثم شعوراً بالخوف من ظهور التأتأة أمام الأخرين مره أخرى، لكن في الواقع يقع التلعثم مرة أخرى، وتتكرر هذه الدائرة المظلمة بشكل مستمر في حياة المتلعثم لسنوات عديدة وتصبح هذه المشاعر مثل جبل الثلج الذي لا يبدو منه لنا الا الجانب الكلامي وتلك الوقفات الكلامية وما يصاحبها من سلوكيات ظاهرية.
التأتأة تجعل من المتلعثم انساناً متجنباً لكل المواقف الكلامية، فتجده لا يسأل في الفصل أو المحاضرة، وإن سُئل يقول ” لا أعرف ” حتى وإن كان يعرف، لا يقوم بإجراء مكالمات هاتفية نهائياً، وإن اتصل به أحد يقول للأهل أن يخبروه بأنه غير موجود بالمنزل، لا يشتري شيئا بل يجعل والده أو إخوته يقومون بهذا العمل.
كما يؤدي تجنب المتلعثم لكثير من المواقف إلى شعوره الداخلي بالوحدة وشعور من حوله من زملائه ببعده وانطوائه الذي يزداد يوماً بعد يوم، فيشعر بالوحدة وتتغير أفكاره بشكل سلبي عن نفسه وانه شخص ضعيف، غير قادر على النجاح في الحياة، فيكره الحياة والمجتمع ويصل إلى مرحلة من الاكتئاب وإيذاء النفس (والتي لا أتمنى أن تصل لها).
نتيجة لشعور المتلعثم بالدونية وان جميع من حوله لا يرغب في التواصل معه، فيظن أن كلامه ربما لا يقبله ممن حوله أو أن أسلوبه في معالجة القضايا ربما أقل كفاءة عن أساليب الآخرين، كما أن تجنبه للكثير من المواقف يقلل من خبرته في الحياة والتعامل مع الناس فيتوتر ويرتبك لأقل مشكلة تقع له وهذا مما يزيد تلعثمه ويدخله في دائرة مغلقة من التلعثم والارتباك، فيصل به الحال أحيانا الى ترك الدراسة أو العمل, او التنازل عن الترقية والمراتب القيادية، كل ذلك بسبب التأتأة وعدم إدراكه كيفية التعامل مع تلك الدائرة المظلمة وكيف يمكن كسرها وكسر الأفكار المشوهة بداخلها.
ط. المربع الذهبي لعلاج التأتأة.
علاج التأتأة ليس محدود في التدريبات الكلامية فحسب، بل هو علاج تكاملي يشمل عدة جوانب يجب أخذها في عين الاعتبار أثناء رحلتك العلاجية.
(1) الجانب الروحي
ان الله سبحانه وتعالى هو من قدر علينا ان نكون متلعثمين، وهو القادر على شفائنا، وتوجد حكمه بالغة بكوننا متلعثمين، والحمدُ لله على القضاء، لذلك يجب علينا أن نرضى بما قسمه الله لنا، هو أعلم وأقدر سبحانه.
ويجب علينا ان نلجئ الى الله بالدعاء وأن نحتسب الأجر عن كل ما يمر علينا من الم وهم، فربما تكون هذه التأتأة سبب في دخولنا الجنة بإذن الله، متى ما صبرنا عليها ورضينا بها.
عليك اخي القارئ أن تكثر من:
(أ) الإكثار من دعاء موسى -عليه الصلاة والسلام: – (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قولي)
(ب) الصدقة بنية الشفاء قال ﷺ (داووا مرضاكم بالصدقة)
(ج) قراءة القرآن، فالقرآن علاج.
(د) شرب ماء زمزم بنية الشفاء، قال ﷺ (ماءُ زمزمَ لما شُرِبَ له)
(ه) استغلال أوقات استجابة الدعاء لله مثل، السجود، شهر رمضان المبارك، يوم الجمعة.
(ب)الجانب الفكري
نجاح علاج التأتأة يعتمد بشكل كبير على تقبلك للتأتأة وتعايشك معها ومدى تقبلك يعتمد على افكارك حول التأتأة وحول نفسك.
س/ هل التأتأة كان لها تأثير على تشويه افكارك؟
ج/ في الغالب نعم لكن بدرجات متفاوتة من متلعثم الى اخر.
إن عوامل البيئة (الأسرة، المدرسة، الأصدقاء.. الخ) المحيطة بالمتلعثم أيام الطفولة كان لها دور في تشكيل شخصية المتلعثم، وساهمت في تغيير أفكاره، إلا أن تلك الفترة من العمر كانت خارجة عن إرادة المتلعثم.
(ج). الجانب الكلامي.
بعد أن يتقبل المتلعثم نفسه ويغير أفكاره حول التأتأة وحول نفسه، سيعطى بعض الاستراتيجيات والتدريبات الكلامية التي تساهم في التقليل من شدة التأتأة.
وتعتمد هذه الاستراتيجيات والتدريبات بشكل كبير على المتلعثم فهو من سيقوم بتطبيقها والتدريب عليها.
دور المختص يكمن في توجيهك للطريق الصحيح، وتدريبك وتعليمك المهارة والنمط الكلامي الجديد المناسب لك وانت من تطبق وتتدرب.
المختص يعطيك المفتاح وانت تفتح الباب☺👍
(د) الجانب السلوكي.
الجانب السلوكي يركز على مواجهة المخاوف السابقة مع التأتأة وكيف تتعامل معها؟ وذلك من خلال صنع مواقف مشابهه تتدرب من خلالها على مواجهة هذه التحديات.
المواجهة سلاح فعال لعلاج التأتأة لكن يحتاج الى ذخيرة، والذخيرة هي التدريبات الكلامية.